ولم يظاهروا عليكم : أي : ولم يعينوا عليكم.
التفسير :
٤ – ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا... ﴾ الآية.
أمر الله تعالى في الآيات السابقة أن ينبذ المسلمون عهود المشركين، وجاءت هذه الآية ؛ لتبين أن هذا النبذ ليس عاما، بل هو خاص بأولئك الذين تلاعبوا بعهودهم، وظاهروا على المسلمين.
والمعنى :
ولا تمهلوا الناكثين لعهودهم فوق أربعة أشهر، لكن المعاهدين الذين عاهدتموهم، ثم لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد، ولم يعانوا عليكم عدوا، كبني ضمرة وبني كنانة ؛ ﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾. أي : أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص، إلى المدة التي عاهدتموهم إليها، وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ﴿ إن الله يحب المتقين ﴾. أي : الموفين بعدهم، وفيه تنبيه على أن الوفاء بالعهد إلى نهايته، مع الموفين بعهدهم، من تقوى الله، التي يحبها لعباده، ويحبهم بسببها.
جاء في تفسير المنار :
والآية تدل على أن الوفاء بالعهد، من فرائض الإسلام، ما دام العهد معقودا، وعلى أن العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته، وأن شروط وجوب الوفاء به علينا، محافظة العدو المعاهد لنا عليه بحذافيره، فإن نقض شيئا من شروط العهد، وأخل بغرض ما من أغراضها ؛ عد ناقضا ؛ لقوله تعالى :﴿ ثم لم ينقصوكم شيئا ﴾.
ولفظ شيء أعم الألفاظ، وهو نكرة في سياق النفي، فيصدق بأدنى إخلال بالعهد، ومن هذا الإخلال مظاهرة عدونا أي : مساعدته ومعاونته ؛ لأن الغرض الأول من المعاهدات ترك قتال كلا من الفريقين المتعاهدين للآخر، فمظاهرة أحدهما لعدو الآخر ومساعدته، كمباشرته للقتال بنفسه.
دلالة الآيات :
تدل الآيات السابقة على ما يلي :
١ – نقض معاهدات المشركين المطلقة غير المؤقتة بزمن ؛ لأنهم نكثوا العهد، وأخلوا بشروط التعاهد.
٢ – من كان له عهد دون أربعة أشهر تكمل له مدة أربعة أشهر.
٣ – مدة الأمان أربعة أشهر من يوم النحر( عاشر ذي الحجة ) إلى العاشر من شهر ربيع الآخر سنة عشر.
٤ – من كان له عهد مؤقت، فيبقى على عهده إلى انتهاء مدته، مهما كان ما لم ينقض العهد، أو يخل بشرط من شروطه.
٥ – الإسلام يقدس العهود، ويوجب الوفاء بها، ويجعل احترامها نابعا من الإيمان، وملازما لتقوى الله.
٦ – إن افتتاح السورة بالبراءة وبدون بسملة، يدخل في النفس الرهبة الشديدة والخوف الأشد.
استجارك : أي : سأل جوارك ؛ ليكون في حماك وأمنك.
فأجره : أي : فأمنه.
التفسير :
٦ – ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ... ﴾
المعنى : وإن طلب أحد من المشركين أن يكون في جوارك، وفي أمانك وحمايتك، بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له فأجره أي : فأمنه وأجبه إلى طلبه.
﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾. أي : لكي يسمع كلام الله ويتدبره، ويطلع على حقيقة ما يدعو إليه، من تعاليم مقنعة للعقول السليمة، ﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾. ثم أبلغه مكان أمنه إن لم يسلم، أي : عليك يا محمد أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره، ولا يبقى له عذر في الإصرار على شركه، فإن آمن صار من أتباعك، وإن بقي على شركه، وأراد الرجوع إلى جماعته ؛ فعليك أن تحافظ عليه ؛ حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه، ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به.
﴿ ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ﴾.
أي : ذلك الذي أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين، وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم، بسبب أنهم لا يعلمون الإسلام، ولا حقيقة ما تدعوهم إليه، فلا بد من تمكينهم من ذلك، ببذل الأمان لهم ؛ حتى يزول عذرهم، وتقوم لك الحجة عليهم.
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتي :-
١ – أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه ؛ ما دام في دار الإسلام، وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ؛ ما رواه البخاري والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أمن رجلا على دمه فقتله ؛ فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا " ١٢.
وروى الشيخان وأحمد : عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء، يعرف به يوم القيامة " ١٣.
٢ – يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله، من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا، ومن كان طالبا للجواب عن الشبهات، التي أثارها أعداء الإسلام.
٣ – على الإمام أو من يقوم مقامه أن يعطي المستأمن المهلة التي يراها كافية لفهمه حقائق الإسلام، وأن يبلغه مأمنه بعد انقضاء حاجته، وأن لا يمكنه من الإقامة في دار الإسلام، إلا بمقدار قضاء حاجته.
٤ – أخذ العلماء من هذه الآية وجوب التفقه في الدين، وأنه لا بد من النظر والاستدلال وأنه لا بد من الحجة والدليل
التفسير :
٤ – ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا... ﴾ الآية.
أمر الله تعالى في الآيات السابقة أن ينبذ المسلمون عهود المشركين، وجاءت هذه الآية ؛ لتبين أن هذا النبذ ليس عاما، بل هو خاص بأولئك الذين تلاعبوا بعهودهم، وظاهروا على المسلمين.
والمعنى :
ولا تمهلوا الناكثين لعهودهم فوق أربعة أشهر، لكن المعاهدين الذين عاهدتموهم، ثم لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد، ولم يعانوا عليكم عدوا، كبني ضمرة وبني كنانة ؛ ﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾. أي : أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص، إلى المدة التي عاهدتموهم إليها، وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ﴿ إن الله يحب المتقين ﴾. أي : الموفين بعدهم، وفيه تنبيه على أن الوفاء بالعهد إلى نهايته، مع الموفين بعهدهم، من تقوى الله، التي يحبها لعباده، ويحبهم بسببها.
جاء في تفسير المنار :
والآية تدل على أن الوفاء بالعهد، من فرائض الإسلام، ما دام العهد معقودا، وعلى أن العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته، وأن شروط وجوب الوفاء به علينا، محافظة العدو المعاهد لنا عليه بحذافيره، فإن نقض شيئا من شروط العهد، وأخل بغرض ما من أغراضها ؛ عد ناقضا ؛ لقوله تعالى :﴿ ثم لم ينقصوكم شيئا ﴾.
ولفظ شيء أعم الألفاظ، وهو نكرة في سياق النفي، فيصدق بأدنى إخلال بالعهد، ومن هذا الإخلال مظاهرة عدونا أي : مساعدته ومعاونته ؛ لأن الغرض الأول من المعاهدات ترك قتال كلا من الفريقين المتعاهدين للآخر، فمظاهرة أحدهما لعدو الآخر ومساعدته، كمباشرته للقتال بنفسه.
دلالة الآيات :
تدل الآيات السابقة على ما يلي :
١ – نقض معاهدات المشركين المطلقة غير المؤقتة بزمن ؛ لأنهم نكثوا العهد، وأخلوا بشروط التعاهد.
٢ – من كان له عهد دون أربعة أشهر تكمل له مدة أربعة أشهر.
٣ – مدة الأمان أربعة أشهر من يوم النحر( عاشر ذي الحجة ) إلى العاشر من شهر ربيع الآخر سنة عشر.
٤ – من كان له عهد مؤقت، فيبقى على عهده إلى انتهاء مدته، مهما كان ما لم ينقض العهد، أو يخل بشرط من شروطه.
٥ – الإسلام يقدس العهود، ويوجب الوفاء بها، ويجعل احترامها نابعا من الإيمان، وملازما لتقوى الله.
٦ – إن افتتاح السورة بالبراءة وبدون بسملة، يدخل في النفس الرهبة الشديدة والخوف الأشد.
﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٥ ) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون( ٦ ) ﴾.
المفردات :
انسلخ : انقضى.
وخذوهم : وأسروهم، والأخيذ : الأسير.
واحصروهم : وضيقوا عليهم وامنعوهم من الإفلات.
واقعدوا لهم كل مرصد : وراقبوهم في كل مكان يرى فيه تحركهم ؛ حتى تمنعوهم من التجمع ضدكم، أو الفكاك منكم.
فخلوا سبيلهم : أي : فاتركوهم أحرارا.
التفسير :
٥ -﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ... ﴾ الآية.
المراد بالأشهر الحرم : الأشهر الأربعة، التي أبيح فيها للمشركين الناكثين لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يسيحوا في الأرض آمنين، وجعلت حرما ؛ لأن الله حرم قتالهم فيها.
وهذه الأشهر تبدأ من يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر، أما الأشهر الحرم التي قال فيها القرآن :﴿ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ﴾. ( التوبة : ٣٦ ) فهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
والمعنى : فإذا انقضت الأشهر الأربعة، التي حرم فيه قتال المشركين الناكثين لعهودهم – لعلهم يثوبون فيها إلى رشدهم – فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في حل أو حرم ؛ لإصرارهم على الخيانة والشرك.
﴿ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ﴾.
وأسروهم، فإن الأخيذ هو الأسير.
﴿ واحصروهم ﴾ : الحصر : منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم.
﴿ واقعدوا لهم كل مرصد ﴾. المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو، أي : اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها.
وترى أن هذه الوسائل الأربعة – القتل، والأسر، والمحاصرة، والمراقبة – هي الوسائل الكفيلة بالقضاء على الأعداء، ولا يخلو عصر من العصور، من استعمال بعضها أو كلها عند المهاجمة.
وهكذا نرى تعاليم الإسلام، تحض المسلمين على استعمال كل الوسائل المشروعة ؛ لكيد أعدائهم، والعمل على هزيمتهم، ويستثنى من ذلك النساء، والرهبان، والشيوخ، والصبيان، والضعفاء ؛ فهؤلاء لا يتعرض لهم بقتل ولا تضييق، إلا إذا عاونوا أولئك الناكثين.
﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ﴾.
استخدمت الآية كل الوسائل المشروعة في الترهيب والترغيب ؛ فقد أمرت المسلمين بأن يستعلموا مع أعدائهم كل الوسائل المشروعة لإرهابهم، فإذا رجع المشركون عن الشرك، فأسلموا وأقاموا الصلاة بشروطها في أوقاتها، وأدوا الزكاة لمستحقيها، برهانا على صدق إيمانهم ؛ فخلوا سبيلهم ولا تتعرضوا لهم بشيء مما تقدم، إن الله عظيم الغفران والرحمة، فلهذا يقبل توبتهم من الغدر والكفر.
وقد استند أبو بكر رضي الله عنه، إلى هذه الآية في قتال مانع الزكاة، حيث قال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ؛ فإن الزكاة حق المال.
وقد روى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ٨.
والمراد بالآية : اقتلوا المشركين الذين يحاربوكم٩.
وفي الحديث المتواتر : الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أمرت أن أقاتل الناس – أي : مشركي العرب بالإجماع – حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك ؛ عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " ١٠.
وجاء في أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٨١ :
قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾.
خاص في مشركي العرب دون غيرهم.
قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ثم قال : يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه ! ١١.
المفردات :
انسلخ : انقضى.
وخذوهم : وأسروهم، والأخيذ : الأسير.
واحصروهم : وضيقوا عليهم وامنعوهم من الإفلات.
واقعدوا لهم كل مرصد : وراقبوهم في كل مكان يرى فيه تحركهم ؛ حتى تمنعوهم من التجمع ضدكم، أو الفكاك منكم.
فخلوا سبيلهم : أي : فاتركوهم أحرارا.
التفسير :
٥ -﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ... ﴾ الآية.
المراد بالأشهر الحرم : الأشهر الأربعة، التي أبيح فيها للمشركين الناكثين لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يسيحوا في الأرض آمنين، وجعلت حرما ؛ لأن الله حرم قتالهم فيها.
وهذه الأشهر تبدأ من يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر، أما الأشهر الحرم التي قال فيها القرآن :﴿ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ﴾. ( التوبة : ٣٦ ) فهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
والمعنى : فإذا انقضت الأشهر الأربعة، التي حرم فيه قتال المشركين الناكثين لعهودهم – لعلهم يثوبون فيها إلى رشدهم – فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في حل أو حرم ؛ لإصرارهم على الخيانة والشرك.
﴿ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ﴾.
وأسروهم، فإن الأخيذ هو الأسير.
﴿ واحصروهم ﴾ : الحصر : منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم.
﴿ واقعدوا لهم كل مرصد ﴾. المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو، أي : اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها.
وترى أن هذه الوسائل الأربعة – القتل، والأسر، والمحاصرة، والمراقبة – هي الوسائل الكفيلة بالقضاء على الأعداء، ولا يخلو عصر من العصور، من استعمال بعضها أو كلها عند المهاجمة.
وهكذا نرى تعاليم الإسلام، تحض المسلمين على استعمال كل الوسائل المشروعة ؛ لكيد أعدائهم، والعمل على هزيمتهم، ويستثنى من ذلك النساء، والرهبان، والشيوخ، والصبيان، والضعفاء ؛ فهؤلاء لا يتعرض لهم بقتل ولا تضييق، إلا إذا عاونوا أولئك الناكثين.
﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ﴾.
استخدمت الآية كل الوسائل المشروعة في الترهيب والترغيب ؛ فقد أمرت المسلمين بأن يستعلموا مع أعدائهم كل الوسائل المشروعة لإرهابهم، فإذا رجع المشركون عن الشرك، فأسلموا وأقاموا الصلاة بشروطها في أوقاتها، وأدوا الزكاة لمستحقيها، برهانا على صدق إيمانهم ؛ فخلوا سبيلهم ولا تتعرضوا لهم بشيء مما تقدم، إن الله عظيم الغفران والرحمة، فلهذا يقبل توبتهم من الغدر والكفر.
وقد استند أبو بكر رضي الله عنه، إلى هذه الآية في قتال مانع الزكاة، حيث قال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ؛ فإن الزكاة حق المال.
وقد روى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ٨.
والمراد بالآية : اقتلوا المشركين الذين يحاربوكم٩.
وفي الحديث المتواتر : الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أمرت أن أقاتل الناس – أي : مشركي العرب بالإجماع – حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك ؛ عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " ١٠.
وجاء في أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٨١ :
قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾.
خاص في مشركي العرب دون غيرهم.
قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ثم قال : يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه ! ١١.
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﰅ
المفردات :استجارك : أي : سأل جوارك ؛ ليكون في حماك وأمنك.
فأجره : أي : فأمنه.
التفسير :
٦ – ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ... ﴾
المعنى : وإن طلب أحد من المشركين أن يكون في جوارك، وفي أمانك وحمايتك، بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له فأجره أي : فأمنه وأجبه إلى طلبه.
﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾. أي : لكي يسمع كلام الله ويتدبره، ويطلع على حقيقة ما يدعو إليه، من تعاليم مقنعة للعقول السليمة، ﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾. ثم أبلغه مكان أمنه إن لم يسلم، أي : عليك يا محمد أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره، ولا يبقى له عذر في الإصرار على شركه، فإن آمن صار من أتباعك، وإن بقي على شركه، وأراد الرجوع إلى جماعته ؛ فعليك أن تحافظ عليه ؛ حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه، ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به.
﴿ ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ﴾.
أي : ذلك الذي أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين، وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم، بسبب أنهم لا يعلمون الإسلام، ولا حقيقة ما تدعوهم إليه، فلا بد من تمكينهم من ذلك، ببذل الأمان لهم ؛ حتى يزول عذرهم، وتقوم لك الحجة عليهم.
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتي :-
١ – أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه ؛ ما دام في دار الإسلام، وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ؛ ما رواه البخاري والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أمن رجلا على دمه فقتله ؛ فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا " ١٢.
وروى الشيخان وأحمد : عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء، يعرف به يوم القيامة " ١٣.
٢ – يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله، من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا، ومن كان طالبا للجواب عن الشبهات، التي أثارها أعداء الإسلام.
٣ – على الإمام أو من يقوم مقامه أن يعطي المستأمن المهلة التي يراها كافية لفهمه حقائق الإسلام، وأن يبلغه مأمنه بعد انقضاء حاجته، وأن لا يمكنه من الإقامة في دار الإسلام، إلا بمقدار قضاء حاجته.
٤ – أخذ العلماء من هذه الآية وجوب التفقه في الدين، وأنه لا بد من النظر والاستدلال وأنه لا بد من الحجة والدليل
التوقيع
ابـو عـدي لا للمستحيل ♛
2024 - 2018