6ArH Community

نسخة كاملة : إنجلترا
أنت حالياً تتصفح نسخة خفيفة من المنتدى . مشاهدة نسخة كاملة مع جميع الأشكال الجمالية .
   [صورة: 118px-England_COA.svg.png]
[صورة: 130px-Flag_of_England.svg.png]




إنْجِلْترا أو إنْكِلْترا أو إِنْكِلْتِرَة (بالإنجليزية: England إنگلاند) هي أكبر دولة في المملكة المتحدة  وتشترك في الحدود البرية مع اسكتلندا في الشمال وويلز في الغرب والبحر الأيرلندي في الشمال الغربي وبحر الكلت في الجنوب الغربي وبحر الشمال في الشرق، وتفصلها القناة الإنجليزية عن القارة الأوروبية جنوبًا. ويتكون البر الرئيسي من إنجلترا من الأجزاء الوسطى والجنوبية من جزيرة بريطانيا العظمى في شمال المحيط الأطلسي، كما تشمل أيضًا أكثر من 100 جزيرة صغيرة، مثل جزر سيلي وجزيرة وايت.
استوطن الإنسان المنطقة المعروفة الآن باسم إنجلترا أول مرة في فترة العصر الحجري القديم، ويعود أصل كلمة إنجلترا إلى الأنجلز وهي إحدى قبائل الجرمان التي استقرت خلال القرن الخامس والسادس الميلادي. أصبحت إنجلترا دولة موحدة سنة 927 ميلادية، ومنذ عصر الاستكشاف الذي بدأ في القرن الخامس عشر، أخذ تأثيرها الثقافي والقانوني يمتد وينتشر شيئاً فشيئاً عبر العالم بأكمله. حيث نشأت فيها اللغة الإنجليزية والكنيسة الأنجليكانية والقانون الإنجليزي (وهو أساس النظام التشريعي للقانون العام في عديد من الدول حول العالم)، كما أن نظامها البرلماني والحكومي مقبول به على نطاق واسع من الدول الأخرى. كانت إنجلترا مهد الثورة الصناعية التي انطلقت في القرن الثامن عشر، وحوّلت البلاد إلى أول أمة صناعية في العالم، ووضعت الجمعية الملكية أسس العلوم التجريبية الحديثة.
أغلب أراضي إنجلترا سهلية، وإن كان هناك بعض المناطق المرتفعة في الشمال (على سبيل المثال: في مقاطعة ليك، بينينز ويوركشاير مورز) وفي الجنوب والجنوب الغربي (على سبيل المثال: دارتمور وكوتسوولدز وشمال وجنوب داونز). عاصمة إنجلترا هي لندن وهي أكبر منطقة مدنية في المملكة المتحدة وأكبر منطقة حضرية في الاتحاد الأوروبي بكل المقاييس. يصل عدد سكان إنجلترا إلى حوالي 51 مليون نسمة، وهم يُشكلون حوالي 84% من سكان المملكة المتحدة بشكل عام ويتركزون بشكل كبير في لندن وجنوب شرق إنجلترا والمجتمعات الحضرية في وسطها وشمال غربها وشمال شرقها ويوركشاير التي أنشأت كمنطقة صناعية كبرى خلال القرن التاسع عشر.
كانت مملكة إنجلترا - بما فيها ويلز - مستقلة حتى 1 مايو سنة 1707، عندما بدأت قوانين الاتحاد (بالإنجليزية: Acts of Union)‏ بتنفيذ الشروط المتفق عليها بمعاهدة الاتحاد مع مملكة اسكتلندا التي أبرمت قبل عام، فأدى ذلك إلى اتحاد سياسي باسم مملكة بريطانيا العظمى. وفي سنة 1800 اتحدت بريطانيا العظمى مع مملكة أيرلندا عن طريق قانون اتحاد آخر، فنتج عنها المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا. وفي سنة 1922 انفصلت عنها أيرلندا مكونة دولة أيرلندا الحرة وهي ذات سيادة منفصلة، غير أن القانون الملكي والبرلماني لعام 1927 قام بدمج ست مقاطعات إيرلندية في جسم المملكة، فأنشئت المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية الحالية.
أصل الكلمة
يشتق اسم «إنجلترا» من الكلمة الإنجليزية القديمة Englaland، والتي تعني «أرض الأنجل». والأنجل كانت واحدة من القبائل الجرمانية التي استقرت في إنجلترا خلال أوائل العصور الوسطى، وقد وصل هؤلاء القوم إلى بريطانيا من شبه جزيرة أنغلن الواقعة في منطقة خليج كييل في بحر البلطيق. وفقًا لقاموس أوكسفورد الإنجليزي، كان أول استخدام معروف لكلمة «إنجلترا» في عام 897م، وقُصد به الإشارة إلى الجزء الجنوبي من جزيرة بريطانيا، أما في العصور الحديثة، فقد استخدم لأول مرة في الكتابات عام 1538م. ويذكر أن أول تصديق على الاسم حدث في القرن الأول عن طريق المؤرخ الروماني تاسيتس، في كتابه حامل عنوان «جرمانيا»، حيث تظهر الكلمة اللاتينية Anglii في أكثر من موقع. على الرغم من الاعتقاد الشائع أن اسم إنجلترا مشتق من قبيلة الأنجل، إلا أن قسمًا من العلماء يقول نظرياتٍ أخرى حول أصله، فقد اقترح بعضهم أنه مستمد من شكل شبه جزيرة أنغلن، ذي الزوايا العديدة (بالإنجليزية: Angular)‏. وقد سماها العرب قديما انكلترة، وحاكمها سُمي الانكتار قال القلقشندي جزيرة انكلترة وصاحبها يُسمى الانكتار، وجعل العربُ كلمةَ انكتار اسماً لكل ملك من ملوك انكلترة.
من الأسماء البديلة لإنجلترا اسم «ألبيون»، وغالبًا ما يُقصد الإشارة به إلى جزيرة بريطانيا بأكملها. وظهر أول تسجيل للإسم في مجموعة كتابات لأرسطو، تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث جاء فيها: «ما وراء أعمدة هرقل تقع المحيطات التي تتدفق على مدار الأرض. وفيها اثنتان من الجزر الكبيرة المسماة بريتانيا، وهي جزائر ألبيون وأيرين». يمكن تقفي أصول كلمة ألبيون (باليونانية القديمة: Ἀλβίων) إلى كلمتين اثنتين: إما أنها مشتقة من الكلمة اللاتينية «ألباس» بمعنى بيضاء، في إشارة إلى المنحدرات الصخرية البيضاء في دوفر، والتي هي المشهد الأول الذي تقع عليه عيون الناظر المتجه من القارة الأوروبية إلى بريطانيا، وتم اقتراح أصل بديل عُثر عليه في كتيّب قديم لأحد التجّار المتجولين مجهول الهوية، يعود للقرن السادس قبل الميلاد على الأرجح، ذكر فيه جزيرة "Albiones". يُطلق اسم «ألبيون» على إنجلترا حاليًا، وذلك في أكثر الأعمال الأدبية. من الأسماء الرومانسية الأخرى لإنجلترا: «لورغيا» المشتقة من كلمة Lloegr الويلزية، المشتقة بدورها من أسطورة الملك آرثر.
التاريخ
عصور ما قبل التاريخ والعصور القديمة
أقدم الأدلة التي تفيد باستيطان الإنسان في المنطقة المعروفة حاليًا باسم إنجلترا هي بقايا متحجرة للإنسان السلفي (Homo antecessor)، تعود إلى ما يقرب من 780,000 سنة مضت، أما أقدم عظام تعود لإنسان عاقل مكتشفة في إنجلترا فهي ترجع لحوالي 500,000 سنة مضت. استوطن البشر العاقلون إنجلترا خلال العصر الحجري القديم العلوي، وتفيد الأدلّة أنهم كانوا في بداية أمرهم قومًا رُحّل، ولم تظهر المستوطنات الدائمة في سجل الآثار إلا خلال السنوات الستة آلاف الماضية. استمرت إنجلترا مأهولة ببضعة أنواع من الثدييات الضخمة بعد نهاية العصر الجليدي الأخير، ومن هذه الثدييات الماموث، والبيسون الأوروبي، ووحيد القرن الصوفي، أما البشر فهجروا المنطقة هربًا من شدّة البرد والصقيع. ومنذ حوالي 11,000 سنة، أي عندما بدأت صفائح الجليد في الانحسار، عاد البشر ليعمروا المنطقة مجددًا؛ وتقترح البحوث الوراثية أنهم جاؤوا من الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الأيبيرية. وكان مستوى سطح البحر أقل مما هو عليه الآن، وكانت بريطانيا متصلة عن طريق البر بكل من إيرلندا وأوراسيا. وعندما ارتفع مستوى البحر مجددًا، منذ حوالي 10,000 سنة، انفصلت عن إيرلندا، ثم عن أوراسيا بعد ألفي سنة.
ظهرت حضارة الدورق في إنجلترا قبل 2500 سنة من الميلاد، وتركت آثارًا هي أوعية غذائية مصنوعة من الفخار والنحاس. كما شيد أبناؤها العديد من المعالم الرئيسية الباقية مثل ستونهنج وأفيبري، وقاموا بصهر القصدير والنحاس، وكلاهما موجود بوفرة في المنطقة، فصنعوا البرونز، وعرفوا صناعة الحديد من خامه في وقت لاحق، وكانوا قادرين على غزل ونسج صوف الغنم، الذي يصنعون منه الملابس.
خلال العصر الحديدي، استوطنت إنجلترا عدّة قبائل الكلتية، وصلت من أوروبا الوسطى. وقد سمح تطوير صهر الحديد بصناعة محراث أفضل، مما أدى إلى تقدم الزراعة، وكذلك أصبح بالإمكان إنتاج أسلحة أكثر فعالية. كانت اللغة البريثونية هي اللغة المنطوقة خلال هذا الوقت، وكان المجتمع قبليًا. وفقًا لكتاب الجغرافيا لبطليموس، فإنه كان هناك نحو 20 قبيلة مختلفة في المنطقة، أما الفترة التاريخية السابقة فلا يزال الغموض يكتنفها، لأن البريطانيين كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة خلال تلك الفترة، ولم يتركوا مؤلفات تتحدث عن حياتهم وبلادهم في هذا العهد. كغيرها من المناطق الأخرى الواقعة على حافة الإمبراطورية، تمتعت بريطانيا بروابط تجارية مع الرومان. حاول يوليوس قيصر غزو بريطانيا مرتين في عام 55 قبل الميلاد، لكن غزواته فشلت إلى حد كبير، إلا أنه تمكن من إقامة نظام ملكي عميل. غزا الرومان بريطانيا عام 43 ميلادية في عهد الإمبراطور كلوديوس، وضُمّت المنطقة إلى الإمبراطورية الرومانية، وأُطلق عليها اسم مقاطعة بريتانيا. قاومت عدّة قبائل الغزو الروماني لجزيرتها طيلة سنوات، وأشهر تلك القبائل كانت «كاتوفيليوني» بقيادة كاراتاكوس. وفي وقت لاحق، حدثت انتفاضة بقيادة بوديكا، ملكة إيسيني، أدت إلى مقتلها في معركة شارع واتلينغ. شهدت هذه الحقبة انتشارًا واسعًا للثقافة اليونانية الرومانية، حيث أُدخلتِ الكثير من معالم الحضارة إلى البلاد مثل القانون، والعمارة الرومانية، وأنظمة الصرف الصحي، وأُنشئت المدارس، واستُقدمتِ الكثير من النباتات الزراعية الصالحة للأكل من أوروبا، وتَعرّف السكّان على الحرير. وفي القرن الثالث، توفي الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس في يورك، ومنها أعلن قسطنطين الأول في وقت لاحق نفسه إمبراطورًا. دخلت المسيحية البلاد لأول مرة عن طريق يوسف الرامي، بينما يدعي آخرون دخولها عن طريق لوسيوس البريطاني. في عام 410م، غادر الرومان الجزيرة، للدفاع عن حدود الإمبراطورية في أوروبا القارية، بعد أن ضعفت قوتها وأخذت تتضعضع وتنهار أمام حروب الأباطرة الداخلية.
العصور الوسطى
إثر انسحاب الجيوش الرومانية، أصبحت بريطانيا مفتوحة للغزو من جانب المحاربين البحريين الوثنيين مثل الساكسون والجوتس الذين سيطروا على المناطق المحيطة بالجنوب الشرقي، واستمروا يتقدمون بفتوحاتهم لفترة من الوقت، حتى استطاع البريطانيون صدّهم في معركة جبل بادون، فتوقفت غزواتهم لفترة مؤقتة من الزمن، كذلك تمكن الآنجلز من غزو المملكة البريثونية في الشمال، خلال القرن السادس. البيانات الموثوقة لهذه الفترة شحيحة، كما هي الأدلة الأثرية، الأمر الذي جعل المؤرخين يسمّون هذه الحقبة التاريخية بعصر الظلام. هناك عدة نظريات متضاربة تتعلق بمسألة استقرار الأنجلوساكسون في بريطانيا؛ فالبعض يقول أن عددًا من ملوكهم كان بريطانيًا واختلط معهم، وبعضهم الآخر ينكر ذلك، لكن على العموم، يتفق كل المؤرخين أنه بحلول القرن السابع، ظهرت مجموعة متماسكة من الممالك الأنجلوسكسونية الصغيرة المعروفة باسم «هبتاركي»، في جنوب ووسط بريطانيا، منها: نورثمبريا، مرسيا، أنجليا الشرقية، إسكس، كنت، ساسكس، وويسكس. كان الأنجلوساكسون قد قضوا على المسيحية في البلاد بعد دخولهم إليها، ولم ترجع هذه الديانة إلى البلاد إلا عن طريق أوغسطين الروماني سنة 597، وأيدان الإيرلندي. كانت مملكتا نورثمبريا ومرسيا أكثر القوى المهيمنة على الجزيرة في ذلك العهد، لكن كل ذلك تغيّر بعد فتوحات الفايكنج في شمال وشرق البلاد، حيث أصبحت المملكة الإنجليزية البارزة هي ويسكس تحت قيادة ألفريد العظيم، الذي تمكّن حفيده أثيلستان من توحيد إنجلترا في عام 977، بعد أن هزم الملك إيدريد وحليفه أريك أبو الفأس الدموية ملك الفايكنج. غزا الإسكندنافيون إنجلترا مرة أخرى في أواخر القرن العاشر، وتمكن الملك كانوت العظيم من ضم إنجلترا إلى إمبراطوريته التي شملت أيضا الدنمارك والنرويج، إلا أن سلالة وسكس تمكنت في نهاية المطاف من استعادة السيطرة على إنجلترا تحت قيادة الملك إدوارد المعترف سنة 1042.
غزا إنجلترا في عام 1066 جيشٌ بقيادة وليام الفاتح من دوقية نورماندي، وهي إقطاعية تابعة لمملكة فرنسا. وكان وليام هذا من النورمان الذين ترجع أصولهم إلى إسكندنافيا، واستقروا في نورماندي من بضعة قرون سابقة. أدخل النورمان الإقطاعية إلى إنجلترا وأنشأوا القلاع في جميع أنحائها، وكانت اللغة المنطوقة من النخبة الارستقراطية الجديدة هي الفرنسية النورمانية، والتي كان لها تأثير كبير في تطوّر اللغة الإنجليزية. ورث آل بلنتجنت العرش الإنجليزي تحت قيادة هنري الثاني، الذي أضاف إنجلترا إلى إمبراطوريته الناشئة الإقطاعية (التي عرفت فيما بعد بالإمبراطورية الأنجيفية) التي ورثتها العائلة في فرنسا. حكمت هذه الأسرة البلاد طيلة ثلاثة قرون، وينتسب إليها ملوك مشهورون، أمثال ريتشارد الأول، إدوارد الأول، إدوارد الثالث، وهنري الخامس. شهدت هذه الفترة تحسنًا في مجالي التجارة والتشريعات، فتم خلالها توقيع وثيقة ماجنا كارتا التي حدّت من سلطات الملك وحمت حقوق العامّة، وازدهرت الرهبنة الكاثوليكية، وظهر عدد من الفلاسفة، كما تأسست جامعات أوكسفورد وكامبريدج برعاية ملكية. كما أصبحت إمارة ويلز إقطاعية تابعة للمملكة خلال القرن الثالث عشر، وقام البابا بوهب السيادة على إيرلندا للنظام الملكي الإنجليزي. خلال القرن الرابع عشر، ادّعى كل من آل بلنتجنت وآل فالوا الفرنسيون بأنه الوريث الشرعي لآل كابيه، سادة العرش الفرنسي السابقين، واشتبكت القوتان في حرب المئة عام. كما ضرب وباء الموت الأسود إنجلترا، ابتداء من عام 1348، وحصد نصف عدد سكان البلاد. كما دارت حرب أهلية من سنة 1453 حتى سنة 1487 بين فرعين من العائلة المالكة وهما آل يورك وآل لانشستر، تلك الحرب التي تعرف باسم حرب الوردتين، والتي أدت في نهاية المطاف إلى فقدان آل يورك العرش تمامًا لصالح آل تيودور من ويلز، وهؤلاء فرع من آل لانشستر برئاسة هنري تودور الذي حارب بجيش من الويلزيين والمرتزقة، وأحرز النصر في معركة بوسورث حيث قتل الملك اليوركي ريتشارد الثالث.
المبكر الحديث
كانت فترة حكم أسرة تيودور حافلة بالأحداث، فخلال هذا العهد ظهرت ملامح النهضة العلمية والأدبية في إنجلترا، على يد عدد من رجال الحاشية الإيطالية، الذين استقدمتهم الأسرة سالفة الذكر، فقاموا ببعث الأنظمة الفنيّة والتربوية والمدرسية، التي كانت سائدة في العصور الكلاسيكية القديمة. وبدأت إنجلترا في هذا الوقت تطور مهاراتها البحرية، فاخترع العلماء الإنجليز جهاز المزواة لقياس الزوايا العمودية والأفقية واستكشاف الغرب. وكانت الدولة العثمانية المسيطرة على البحر الأبيض المتوسط تمثل حافزًا لمثل هذه الاكتشافات، بسبب إغلاقها دروب التجارة البحرية مع الشرق أمام الدول المسيحية الأوروبية. انفصل هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية، بسبب قضايا متعلقة بطلاقه من إحدى زوجاته، في عام 1534، ونصّب نفسه رئيسًا على كنيسة إنجلترا، وخلافًا للكثير من الانقلابات البروتستانتية الأوروبية الأخرى، فإن سبب الانفصال عن روما كان سياسيًا أكثر منه لاهوتيًا. ضمت أسرة تيودور إلى مملكتهم أرض أجدادهم أيضًا، ألا وهي ويلز، وقد تم ذلك بصورة قانونية، مع إصدار الملك قرارات عام 1535–1542. كانت هناك صراعات داخلية دينية خلال عهد بنات هنري الثامن: أنّا ماري وإليزابيث، حيث حاولت الأولى إعادة البلاد مرة أخرى إلى الكاثوليكية، في حين أن الأخيرة انفصلت عنها بقوة أشد مؤكدة تفوّق الكنيسة الإنجيلية. هزم الأسطول الإنجليزي تحت قيادة فرانسيس دريك الأرمادا الأسبانية خلال فترة حكم إليزابيث، فأضحت إنجلترا سيدة البحار بلا منازع، وشرعت تتنافس مع إسبانيا على زعامة العالم الجديد، وكان من نتيجة ذلك أن تأسست أول مستعمرة أنجليزية في الأمريكتين على يد المستكشف والتر رالي في عام 1585، وأُطلق عليها اسم فيرجينيا تيمنًا بالملكة إليزابيث، المعروفة باسم «الملكة العذراء» (بالإنجليزية: The Virgin queen)‏. نافست إنجلترا أيضًا الهولنديين والفرنسيين في آسيا الشرقية، عبر شركة الهند الشرقية. كما تغير وضع الجزر البريطانية، عندما ورثت أسرة ستيوارت حاكمة اسكتلندا، عرش المملكة الإنجليزية، التي تنافست معها لوقت طويل، فكان من نتيجة ذلك اتحاد المملكتين تحت حكم جيمس الأول في سنة 1603، الذي نصب نفسه ملك بريطانيا العظمى، على الرغم من عدم وجود أساس لهذا في القانون الإنجليزي.
اندلعت الحرب الأهلية الإنجليزية في سنة 1642، بين البرلمانيين وبين أنصار الملك تشارلز الأول، والمعروفين باسم ذوي الرؤوس المستديرة والفرسان على التوالي، بسبب اضطراب الأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية. تعدّ هذه الحرب جزءًا لا يتجزّأ من حروب الممالك الثلاث، التي ضمت اسكتلندا وإيرلندا أيضًا. وانتصر البرلمانيون، وأُعدم تشارلز الأول، واستُبدلتِ المملكة بدول الكومنولث. أعلن اللورد أوليفر كرومويل قائد قوات البرلمان، نفسه حامي الكومنولث في عام 1653، وحكم البلاد بنفسه لفترة قصيرة من الزمن. بعد وفاة كرومويل، دُعي الملك تشارلز الثاني للعودة إلى منصبه عام 1660، فقام بإصلاح النظام السياسي، فأصبح الدستور ينص على تولّي الملك والبرلمان مقاليد الحكم معًا، إلا أن ذلك لم يُعمل به بشكل كامل من الناحية العملية حتى القرن التالي، كذلك قام هذا الملك بتشجيع العلوم والفنون عبر تأسيسه الجمعية الملكية. دمر حريق لندن الكبير في عام 1666 العاصمة، ولكن تم بناؤها بعد فترة وجيزة. وظهر حزبان سياسيان في البرلمان - المحافظون واليمينيون. كان الأول ملكيًا في حين أن الأخير كان كلاسيكيًا ليبراليًا. على الرغم من أن حزب المحافظين أيّد في البداية الملك الكاثوليكي جيمس الثاني، ولكن بعضًا منهم وقف جنبًا إلى جنب مع اليمينيين، وعزلوه في ثورة سنة 1688، ودعوا الأمير الهولندي وليام الثالث ليصبح ملكًا. بعض الإنجليز، لا سيما في الشمال كانوا يعاقبة وواصلوا دعم جيمس وأبنائه. بعد موافقة برلمانات إنجلترا واسكتلندا على حد سواء، انضم البلدان في اتحاد سياسي، فولدت مملكة بريطانيا العظمى في عام 1707. وفي سبيل استيعاب الوحدة، فإن بعض المؤسسات المهمة، مثل المؤسسة القانونية والكنيسة الوطنية لكل من الدولتين، ظلت منفصلة.
العصر الحديث المتأخر والمعاصر
في ظل مملكة بريطانيا العظمى حديثة التكوين، ساهم المردود المالي للجمعية الملكية وغيرها من المبادرات الإنجليزية، بالإضافة إلى المتنورون الاسكتلنديون، ساهم كل ذلك في ابتكار الكثير من الاختراعات العلمية والهندسية، التي ساعدت على إنشاء الإمبراطورية البريطانية، والتي أصبحت إحدى أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. وفي ظل هذه المملكة أيضًا، قامت الثورة الصناعية، وهي فترة اتّسمت بتغيرات عميقة في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لإنجلترا، أدت إلى تطور في فنون الزراعة والصناعة والهندسة والتعدين، فضلاً عن ظهور السكك الحديدية الجديدة والرائدة وشبكات المياه لتسهيل توسيعها وتطويرها. افتتحت قناة بريدجووتر في شمال غرب إنجلترا سنة 1761، مما شكل بداية عصر القنوات في بريطانيا. في عام 1825 افتتحت أول سكك حديدية بخارية للقاطرات ناقلة الركاب، وهي سكة حديد ستوكتون ودارلينجتون، وانتقل خلال الثورة الصناعية، العديد من العمال من الريف إلى المناطق الحضرية الجديدة والتوسعية للعمل في المصانع، ومن أبرزها مانشستر وبرمنغهام، اللتين لقبتا «مدينة المستودعات» و«ورشة عمل العالم» على التوالي. حافظت إنجلترا على استقرارها الداخلي بصورة نسبية طيلة عهد الثورة الفرنسية؛ وفي تلك المرحلة تولّى وليام بت الأصغر رئاسة الوزراء، واعتلى الملك جورج الثالث عرش البلاد. أثناء الحروب النابليونية، خطط نابليون بونابرت لغزو بريطانيا من الجنوب الشرقي، لكن خطته فشلت، وهزمت القوات الفرنسية على يد البريطانيين في معركتين، إحداهما بحرية بقيادة اللورد نيلسون، والثانية بريّة على يد دوق ويلينجتون. وعززت الحروب النابليونية مفهوم البريطانية والوطنية الموحدة في نفوس الشعب، من إنجليز واسكتلنديين وويليزيين، على حد سواء.
أصبحت لندن أكبر منطقة حضرية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان في العالم خلال العصر الفيكتوري، واستحالت التجارة مع الإمبراطورية البريطانية أمرًا مرموقًا، وعلا شأن الجيش البريطاني والبحرية. أدّت تحولات السلطة في شرق ووسط أوروبا إلى نشوب الحرب العالمية الأولى؛ الآلاف من الجنود الأنجليزيين ماتوا في الخنادق وهم يقاتلون في سبيل بلادهم، بوصفهم جزء من قوّات الحلفاء.
بعد عقدين من الزمن، في الحرب العالمية الثانية، قاتلت المملكة المتحدة مرة أخرى إلى جانب الحلفاء. وكان ونستون تشرشل يحتل منصب رئيس الوزراء في ذلك الوقت. أدى التطور في التقنية الحربية إلى تدمير العديد من المدن خلال الغارات الجوية. في أعقاب الحرب شهدت الإمبراطورية البريطانية الاستعمار السريع، فضلاً عن سلسلة من الابتكارات التكنولوجية، حيث أصبحت السيارات الوسيلة الأساسية للنقل، وتطويرات فرانك ويتل في المحرك النفاث أدت إلى توسيع نطاق السفر جواً.
منذ بداية القرن العشرين، ازدادت حركة الهجرة إلى إنجلترا، وكان معظم المهاجرين قادم من مناطق أخرى من الجزر البريطانية، وأيضا من دول الكومنولث، وخصوصا من شبه القارة الهندية. منذ عام 1970، أخذت البلاد تتجه تدرجيًا بعيدًا عن التصنيع وتركّز أكثر على الاهتمام بقطاع الخدمات. انضمت المملكة المتحدة إلى مبادرة السوق المشتركة والتي سميت السوق الأوروبية المشتركة، التي تحوّلت بدورها إلى الاتحاد الأوروبي. لا تزال إنجلترا وويلز موجودة ككيان قانوني داخل المملكة المتحدة، كما زاد التركيز على هوية إنجليزية محددة أكثر وطنية.