6ArH Community

نسخة كاملة : تفسير سورة التوبة#60
أنت حالياً تتصفح نسخة خفيفة من المنتدى . مشاهدة نسخة كاملة مع جميع الأشكال الجمالية .
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( ٦٠ ) ﴾.
المفردات :
للفقراء : جمع فقير وهو من لا مال له، أو له مال لا يقع موقعا من كفايته.
والمساكين : جمع مسكين، وهو من لا مال له، أو له مال يقع موقعا من كفايته، فالفقير أسوأ حالا من المسكين وبالعكس.
التفسير :
٦٠ – ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
المناسبة :
جاءت هذه الآية وسط الحديث عن المنافقين ؛ ذلك أن المنافقين كانوا ينتظرون أن توزع عليهم الزكاة، فإذا أعطاهم النبي منها ؛ رضوا وشكروا، وإذ لم يعطهم ؛ غضبوا وسخطوا.
وفي الآية ٥٨ من سورة التوبة :﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ﴾.
قال الشوكاني في تفسيره : " لما لمز المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الصدقات ؛ بين الله لهم مصرفها ؛ دفعا لطعنهم وقطعا لشغبهم. عن زيادة بن الحرث قال : " أتى النبي رجل فقال : أعطني من الصدقة فقال له : " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم هو فيها ؛ فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك ". اه.
وكنت ألّفت كتابا في فقه العبادات، أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام ١٩٧١ م، وصدرت منه عدة طبعات بعد ذلك تحدثت فيه عن الزكاة وذكرت فقرة عن مصارف الزكاة، رأيت أن أنقلها في هذا المكان.
مصارف الزكاة
لم يترك الإسلام أمر الزكاة إلى تقدير ولى الأمر بل بين المصارف وعينها بالنص القرآني الذي لا يقبل التأويل قال تعالى :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ﴾. ( التوبة : ٦٠ ). هذا هو النص القرآني المحكم الذي عدد أصناف المستحقين للزكاة١٠٢ ولنبين كل صنف بكلمة موضحة :
أولا : الفقراء : وهم الذين لا يملكون أموالا يزكون عنها، أي : أن أموالهم لا تبلغ النصاب وإنما لديهم قليل من المال لا يكفي لكل حاجاتهم، وقيل : من لا يملكون قوت يوم وليلة.
ثانيا : المساكين : قيل في تفسير المسكين : السائل. وقيل : بأن المسكين أشد حاجة من الفقير، وروى عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس : إن الفقراء فقراء المسلمين والمساكين فقراء أهل الكتاب، ويزكى هذا الرأي أن عمر بن الخطاب فسر المساكين : بضعفاء أهل الكتاب، فإنه يروى أنه رأى ذميا مكفوفا مطروحا على باب المدينة فقال له عمر رضي الله عنه : ملك ؟ قال : استكرهوني في هذه الجزية، حتى إذا كف بصري تركوني وليس لي أحد يعود على شيء ! فقال الفاروق : ما أنصفت إذن ! وأجرى له ما يقوته وما يصلحه، وقال : هذا من الذين قال الله فيهم :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾. وهم زمني أهل الكتاب أي : ذوو العاهات المانعة من الكسب، والمرضى بمرض لا يرجى البرء منه.
ونرى من هذا أن الزكاة على هذا التفسير تعطي لمساكين أهل الذمة العاجزين عن الكسب ؛ وهو غير ما عليه جمهور الفقهاء الذين يرون أن الزكاة لا تعطى لغير المسلمين.
ثالثا :﴿ العاملين عليها ﴾ : وهم الذين يعملون في الزكاة في جمعها من أربابها وتوزيعها على مستحقيها وهم يعطون على قدر أعمالهم، وكفاية أمثالهم، ولأن العمل في الزكاة له أجر والأجير يأخذ سواء أكان غنيا أم فقيرا.
رابعا :﴿ المؤلفة قلوبهم ﴾ : وهم قوم يعطون من الزكاة ؛ تأليفا لقلوبهم أو قلوب ذويهم، أو تمكينا للإسلام في قلوبهم. أو قلوب ذويهم، وقد قال أبو يعلى في الأحكام السلطانية : " والمؤلفة قلوبهم أربعة أصناف : صنف منهم تتألف قلوبهم ؛ لمعونة المسلمين، وصنف تتألف قلوبهم ؛ للكف عن المسلمين، وصنف تتألف قلوبهم ؛ لترغيبهم في الإسلام، وصنف تتألف قلوبهم ؛ ترغيبا لقومهم وعشائرهم في الإسلام فيجوز أن يعطى كل واحد من هذه الأصناف من سهم المؤلفة قلوبهم مسلما كان أو مشركا ".
وعطاء هؤلاء من قبيل الدفاع عن الإسلام له، فإعطاء المؤلفة قلوبهم هو من قبيل ما نسميه اليوم( الدعاية )، ولذلك كان حقا أن نجعل من مصارف الزكاة تمويل الدعاية للإسلام، وبيان مزاياه، وخواصه ؛ ليعلم حقيقته من لم يكن يعلم.
خامسا :﴿ في الرقاب ﴾ : أي : في فك أسر الأرقاء، فقد كان من عادة العرب أن يعين الواحد لرقيقه مالا إذا أداه له ؛ تحرر من أسره. فأمر الله الحكومة الإسلامية أن تمد هؤلاء الأسرى بأموال الزكاة ؛ ليتحرروا من رقهم، وقد ذهب الرق تقريبا من العالم.
ونريد أن نسجل في هذا المقام أن الدولة الإسلامية هي أول دولة حاربت الرق في الوجود وحسبها أن جعلت جزءا من ميزانيتها لفك الرقاب، ولم يذكر التاريخ أي نظام سياسي أو فلسفي سبق الإسلام في ذلك.
سادسا :﴿ الغارمين ﴾ : وهم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم، وهم ثلاثة أقسام :
١ – قسم يستدين في سفاهة وإسراف ؛ لينفق في المحلل والمحرم والأكثرون من الفقهاء يرون أن هذا يوفى عن دينه، إلا إذا تاب وصار من أهل الصلاح والتقى والتدبير.
٢ – من استدان لصالح نفسه كتاجر لزمته ديون في تجارته وهو يحسن تدبيرها ولكن اضطرب الميزان الاقتصادي، وأحاط الدين بماله ولم يف ما عنده من المال بدينه فما بقي من ديون بعد ذلك عليه يسدد من الزكاة.
٣ – من ركبه دين في مصلحة عامة لا لمصلحة نفسه، كمن تحمل ديات للصلح بين الناس، فقد قال الفقهاء : إنه يسدد عنه دينه، ولو كان غنيا يبقى له بعد سداد الدين من ماله نصاب، وهذا للتشجيع على المروءة والصلح بين الناس.
وإذا مات مدين وليس في تركته ما يفي بدينه يؤدى باقي دينه من مال الزكاة.
والجدير بالذكر : أن الإسلام يجعل الديون العادلة تؤدى من بيت مال الزكاة، وبهذا سبق الشرائع الإنسانية كلها سبقا بعيدا، وخصوصا الشرائع التي عاصرت نشأته، وحسبك أنك تعلم أن القانون الروماني١٠٣ في بعض أدواره كان يسوغ للدائن أن يسترق المدين، أما الإسلام فقد جعل دين المعسر تؤديه الدولة عنه وفي ذلك تشجيع للناس على المروءة والقرض الحسن ؛ لأن صاحب المال إن علم أن ماله لن يضيع أبدا ؛ أقرض القرض الحسن. ويصحب القياس على ذلك أن يقرض من مال الزكاة القرض الحسن ؛ لأنه إذا كانت الديون العادلة تؤدى فأولى أن تعطى منها القروض الخالية من الربا ؛ لترد إلى بيت المال.
سابعا :﴿ ابن السبيل ﴾ : والمراد به : المسافر الذي لا يجد مالا يوصله إلى وطنه، فإنه يعطى من مال الزكاة ما يوصله إلى وطنه.
وأما إذا كان غنيا فيعطيه بيت المال قرضا ليسترد ما أعطاه عند الرجوع إلى أهله وذويه.
ثامنا :﴿ في سبيل الله ﴾ : والمراد به : الصرف على الغزاة والمرابطين لحماية الثغور فينفق من الزكاة على الجيش وكل ما يتصل به ما دام الجيش يجاهد في سبيل الله.
ولقد فسر بعض الفقهاء كلمة ﴿ في سبيل الله ﴾ بما يعم كل مصالح المسلمين، فقد جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي ما نصه :
" واعلم أن ظاهر اللفظ لا يوجب القصر على كل الغزاة، فلهذا المعنى نقل " القفال " في تفسيره عن بعض الفقهاء : أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير : من تكفين الموتى، وبناء الحصون ؛ وعمارة المساجد ؛ لأن قوله تعالى :﴿ في سبيل الله ﴾ عام في الكل ".
ويشمل في سبيل الله إعداد دعاة إلى الإسلام والإنفاق عليهم لإظهار جمال الإسلام وسماحته وتبليغ أحكامه والرد على خصومه، والإنفاق على الكتب التي تتولى هذه المهمة.
ويجوز إعطاء الزكاة للمؤسسات الخيرية : كالمستوصفات الخيرية، والمياتم، والمدارس الخيرية ؛ لأن هذه المؤسسات جعلت لصالح الطبقة الفقيرة.
هل تصرف الزكاة على جميع مستحقيها ؟ يرى جمهور الفقهاء خلافا للشافعي أنه لا يلزم المزكى استيعاب كل مصارف الزكاة، بل في أيها وضعت أجزأت، ويلزم الإمام العناية بالأهم اجتماعيا فالمهم.
حكمة الزكاة
١ – الزكاة فريضة واجبة، وسبيل إلى علاج الشح والبخل، وارتقاء بالنفس والروح والوجدان ؛ حيث يعطى المؤمن ماله، ويدخره لينفعه في قبره، أو في يوم القيامة ؛ فهو فعلا ادخار في بنك الآخرة، وتغذية لرصيدنا الحقيقي ؛ فإن مالك ما أنفقت ؛ ومال وارثك ما أبقيت.
٢- الزكاة علاج متعيّن ؛ لإزالة حب الدنيا عن القلب، وكسر شدة الميل إلى المال، والمنع من انصراف النفس بالكلية إليه، وهو المراد من قوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾. ( التوبة : ١٠٣ ).
٣ – تربية النفس عن طريق الشعور بآلام الآخرين، والإحسان إلى الناس، والسعي في إيصال الخيرات إليهم، ودفع الآفات عنهم، وهذا من صفات الله وفي الحديث الشريف : " تخلّقوا بأخلاق الله ".
٤ – توفير محبة الفقراء للأغنياء، والدعاء لهم ببقاء النعمة، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها " ١٠٤.
٥ – الحد من ارتكاب الجرائم، ومن اللحاق بالأعداء، فلو لم ينفق الأغنياء على الفقراء ؛ لأقدم الفقراء على الأفعال المنكرة كالسرقة أو على الالتحاق بأعداء المسلمين.
موضوع رائع وتفسير اروع ومنطقي استمر
تفسير طويل لاكنه مرتب و حلو