6ArH Community

نسخة كاملة : تفسير سورة التوبة#1
أنت حالياً تتصفح نسخة خفيفة من المنتدى . مشاهدة نسخة كاملة مع جميع الأشكال الجمالية .
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ

تفسير سورة التوبة
دروس من سورة التوبة١
أسماء السورة
عرفت سورة التوبة من العهد الأول للإسلام بجملة أسماء، تدل بمجموعها على ما اشتملت عليه من المبادئ التي تجب مراعاتها في معاملة الطوائف كلها : مؤمنهم، ومنافقهم، وكتابيهم، ومشركهم.
وأشهر هذه الأسماء " سورة التوبة "، وهو يشير إلى ما تضمنته السورة من تسجيل توبة الله وتمام رضوانه على المؤمنين الصادقين الذي أخلصوا في مناصرة الدعوة، وصدقوا في الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصل بهم إلى الغاية المرجوة، وذلك في قوله تعالى :
{ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. ( التوبة : ١٧٧، ١١٨ ).
ولا ريب أن تسجيل هذه التوبة للمؤمنين – بعد أن كابدوا الجهد والمشقات في سبيل نصرة الحق – لمما يقوى روح الإيمان في قلوبهم ويبعد بهم عن مزالق المخالفة أو التقصير.
وقد تخلف ثلاثة من المسلمين عن الاشتراك في الجهاد ولم يساهموا في أعباء جيش العسرة ؛ فأمر النبي بمقاطعتهم ومعاقبتهم. ومكثوا فترة من الزمن في عزلة تامة. بغرض تأديبهم. وتهذيبهم ثم تاب الله عليهم وقبل توبتهم وكان ذلك درسا تعليميا للمسلمين ؛ حتى لا يتخلفوا عن الجهاد، ولا يقصروا في القيام بأعباء الدين وتعاليمه.
ومن أسماء السورة " براءة "، وهي تشير إلى غضب الله ورسوله على من أشرك بالله وجعل له ندا وشريكا وإعلام الناس في يوم الحج الأكبر.
﴿ أن الله برئ من المشركين ﴾. ( التوبة : ٣ ).
وقد عرفت السورة بعد ذلك بأسماء أخرى فكانت تسمى : الكاشفة، والمثيرة، والفاضحة، والمنكلة، وغير ذلك مما حفلت به كتب التفسير وهي ألفاظ أطلقت عليها باعتبار ما قامت به من كشف أسرار المنافقين وإثارة أسرارهم وفضيحتهم بها وتنكيلها بهم.
ورد أن ابن عباس رضي الله عنه قال : سورة التوبة هي الفاضحة ؛ مازالت في المنافقين وتنال منهم حتى ظننا أنها لا تبقى أحدا إلا ذكرته بقولها : ومنهم، ومنهم، ومنهم.
وهو يشير إلى ما جاء في هذه السورة من أصناف المنافقين مثل :
﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ﴾. ( التوبة : ٤٩ ).
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾. ( التوبة : ٥٨ ).
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾. ( التوبة : ١٠١ ).
أين البسملة ؟
من خصائص سورة التوبة أنه لم يذكر في أولها : بسم الله الرحمان الرحيم ؛ لأنها تبدأ بإعلان الحرب الشاملة، ونبذ العهود كافة، والبسملة تحمل روح السلام والطمأنينة ؛ لذلك لم تبدأ بها سورة الحرب والقتال.
وربما كان سبب عدم وجود التسمية في أولها، الاشتباه في أنها جزء من سورة الأنفال خصوصا وأن سورة الأنفال تحكي جهاد المسلمين في معركة بدر وسورة التوبة تصف جهاد المسلمين في معركة تبوك، فقصة الأنفال شبيهة بقصة سورة التوبة من ناحية الهدف العام، والتحريض على الجهاد، والتحذير من التخلف عن أمر الله ورسوله ؛ لذلك تركت سورة التوبة مع سورة الأنفال، ووضع بينهما فاصل السورة ولم يكتب في أول التوبة : بسم الله الرحمان الرحيم ؛ احترازا من الصحابة أن يضيفوا أي شيء إلى رسم القرآن إلا بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي بإسناده : عن ابن عباس قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين وقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر : بسم الله الرحمان الرحيم. ووضعتموها في السبع الطوال – ما حملكم على ذلك ؟
فقال عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذات العدد فكان إذا أنزل عليه الشيء ؛ دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هذا الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وخشيت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها. فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمان الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال.
أهداف سورة التوبة
سورة التوبة هي السورة التاسعة في ترتيب المصحف وهي من السور المدنية وقد نزلت في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، وهي السنة التي خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى تبوك بقصد غزو الروم كما خرج أبو بكر في أواخر سنة تسع على رأس المسلمين لحج بيت الله الحرام.
هدفان أصليان
وقد كان للسورة بحكم هذين الحادثين العظيمين في تاريخ الدولة الإسلامية هدفان أصليان :
أحدهما : تحديد القانون الأساسي الذي تشاد عليه دولة الإسلام، وذلك بالتصفية النهائية بين المسلمين ومشركي العرب ؛ بإلغاء معاهدتهم، ومنعهم الحج، وتأكيد قطع الولاية بينهم وبين المسلمين، وبوضع الأساس في قبول بقاء أهل الكتاب في جزيرة العرب وإباحة التعامل معهم.
ثانيهما : إظهار ما كانت عليه نفوس أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حينما استنفرهم ودعاهم على غزو الروم، وفي هذه الدائرة تحدثت السورة عن المتثاقلين منهم والمتخلفين والمثبطين، وكشفت الغطاء عن فتن المنافقين وما انطوت عليه قلوبهم من أحقاد ما قاموا به من أساليب النفاق.
وقد عرضت السورة من أولها للهدف الأول، واستغرق ذلك سبعة وثلاثين آية في أول السورة، وقد تضمنت هذه الآيات ما يأتي :
أولا : تقرير البراءة من المشركين ورفع العصمة عن أنفسهم وأموالهم.
ثانيا : منحهم هدنة مقدارها أربعة شهور.
ثالثا : إعلان الناس جميعا يوم الحج الأكبر( وهو يوم عيد الأضحى ) بهذه البراءة.
رابعا : إتمام مدة العهد لمن حافظ منهم على العهد.
خامسا : بيان ما يعاملون به بعد انتهاء أمد الهدنة أو مدة العهد.
سادسا : تأمين المستجير حتى يسمع كلام الله.
سابعا : بيان الأسباب التي أوجبت البراءة منهم وصدور الأمر بقتالهم.
ثامنا : إزالة وساوس قد يخطر في بعض النفوس أنها تبرر مسالمة المشركين أو الإبقاء على عهودهم.
رحمة الله بالعباد
لقد برئ الله من المشركين ومن فعالهم ؛ لأن الشرك والكفر ظلم عظيم وجحود بحق الله الخالق الرازق، الذي يستحق العبادة وحده، لكن الله أمهل المشركين مدة أربعة أشهر ؛ لتمكينهم من النظر والتدبير لاختيار ما يرون فيه مصلحتهم من الدخول في الإسلام أو الاستمرار على العداء.
ولعل الحكمة في تقدير تلك المهلة بأربعة أشهر ؛ أنها هي المدة التي كانت تكفي لتحقيق ما أبيح لهم من السياحة في الأرض والتقلب في شبه الجزيرة على وجه يمكنهم من التشاور والأخذ والرد مع كل من يريدون أخذ رأيه في تكوين الرأي الأخير، قال تعالى :
﴿ بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾. ( التوبة : ١، ٢ ).
ومن رحمة الإسلام أيضا إباحة تأمين المشرك، وتقرير عصمة المستأمن وقد أوجب الله على المسلمين حماية المستأمن في نفسه وماله ما دام في دار الإسلام وجعل لأفراد المسلمين حق إعطاء ذلك الأمان( فالمسلمون عدول يسعى بذمتهم أدناهم ).
والإسلام يبيح بهذا الأمان التبادل التجاري والصناعي والثقافي، وسائر الشئون ما لم يتصل شيء منها بضرر الدولة. وقد كان للإسلام من مشروعية الأمان وسيلة قوية ؛ لنشر دعوته وإيصال كلمة الله إلى كثير من الأقاليم النائية من غير حرب ولا قتال. قال تعالى :
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾. ( التوبة : ٦ ).
فالإسلام يمنح الجوار والأمان للمشرك الذي يبحث عن الحقيقة، ويريد أن ينظر في الإسلام نظر تأمل ودراسة، فيسمح له بالدخول فيما بين المسلمين والتعامل معهم، والاختلاط بهم حتى يفهم حكم الله ودعوته، فإن اطمأن ودخل الإيمان في قلبه ؛ التحق بالمؤمنين، وصار في الحكم كالتائبين، وإن لم يشرح صدره للإسلام وأراد الرجوع إلى جماعته ؛ حرم اغتياله ووجبت المحافظة عليه حتى يصل مكان أمنه واستقراره.
وبذلك بلغ الإسلام شأوا بعيدا في حماية الفكر والنظر، وتذليل الطريق أمام الباحثين والمفكرين وحمايتهم حتى يصلوا إلى مواطن الأمان أيا كانت معتقداتهم، وصدق الله العظيم :
﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ﴾. ( البقرة : ٢٥٦ ).
غزوة تبوك
في السنة التاسعة من الهجرة وصلت للرسول صلى الله عليه وسلم أنباء تفيد : أن الروم قد جمعوا جموعهم، واعتزموا غزو المسلمين في بلادهم، فأمر النبي أن يتجهز المسلمون وأن يأخذوا عدتهم ويخرجوا إلى تبوك لقتال الروم في بلادهم قبل أن يفاجئوه في بلده.
أعلن النبي النفير العام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يخرج إلى غزوة إلا ورى بغيرها ؛ مكيدة في الحرب، إلا ما كان من هذه الغزوة – غزوة تبوك – فقد صرح بها ؛ لبعد الشقة وشدة الزمان إذ كان ذلك الوقت في شدة الحر حين طابت الظلال، وأينعت الثمار وحبب إلى الناس المقام.
عندئذ وجد المنافقون فرصة سانحة للتخذيل فقالوا : لا تنفروا في الحر، وخوفوا الناس بعد الشقة وحذروهم شدة بأس الروم، وكان لهذا كله أثره في تثاقل بعض الناس عن الخروج للجهاد.
كذلك أخذ المنافقون يستأذنون في التخلف عن الغزو معتذرين بالأعذار الكاذبة الواهنة كما دبر بعضهم المكائد للنبي صلى الله عليه وسلم في ثنايا الطريق.
ولم يكن بد من هذا الامتحان ؛ ليكشف الله المنافقين، ويثبت المؤمنين الصادقين فالشدائد هي التي تكشف الحقائق وتظهر الخبايا.
وقد ظهر الإيمان الصادق من المؤمنين المخلصين ؛ فسارعوا إلى تلبية الدعوة بأموالهم وأنفسهم، يجهزون الجيش ويعدون العدة وقد خرج أبو بكر حينئذ عن كل ما يملك، كما قام بنصيب الأسد في التجهيز عثمان بن عفان، بذل الآلاف وجهز المئات من البعير والخيل، وجهز هو وغيره الفقراء الأقوياء الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنفسهم ؛ ليحملهم فقال لهم :
﴿ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾. ( التوبة : ٩٢ ).
ثم يستمر سياق سورة التوبة في الحديث عن المنافقين وما يظهر منهم من أقوال وأعمال تكشف عن نواياهم التي يحاولون سترها فلا يستطيعون، فمنهم : من ينتقد النبي صلى الله عليه وسلم في توزيع الصدقات ويت
تفسير جميل جدا وسهل الفهم استمر